فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فظاهر هذا الحديث يدل على أن هذا الرمي بالشهب لم يكن قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم فلما بعث حدث هذا الرمي.
ويعضده ما روي أن يعقوب بن المغيرة بن الأخنس بن شريق قال: أو من فزع للرمي بالنجوم هذا الحي من ثقيف، وأنهم جاؤوا إلى رجل منهم يقال له: عمرو بن أمية أحد بني علاج وكان أهدى العرب فقالوا له: ألم تر ما حدث في السماء من القذف بالنجوم؟ فقال: بلى.
ولكن انظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر والبحر ويعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس من معايشهم هي التي يرمى بها فهو والله طي الدنيا وهلاك الخلق الذين فيها وإن كانت نجومًا غيرها وهي ثابتة على حالها فهذا الأمر أراده الله من الخلق قال الزجاج: ويدل على أنها كانت بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم أن شعراء العرب الذين ذكروا البرق، والأشياء المسرعة لم يوجد في شعرهم ذكر الكواكب المنقضة فما حدثت بعد مولده صلى الله عليه وسلم، استعملت الشعراء ذكرها قال ذو الرمة:
كأنه كوكب في أثر عفرية ** مسوم في سواد الليل منقضب

والقول الثاني: إن ذلك كان موجودًا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لما بعث شدد وغلظ عليهم.
قال معمر: قلت للزهري أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية؟ قال: نعم.
قلت: أفرأيت قوله وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فقال: غلظت وشدد أمرها حين بعث محمد صلى الله عليه وسلم ويدل على صحة هذا القول ما روي عن ابن عباس قال أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رمى بنجم واستنار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا، قالوا كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم أو مات رجل عظيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنها لا يرمى بها لموت أحد، ولا لحياته ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح إلى أهل هذه السماء، ثم قال: الذين يلون حملة العرش لحملة العرش، ماذا قال ربكم فيخبرونهم بما قال، فيستخبر بعض أهل السماء بعضًا حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا، فتخطف الجن السمع فيقذفونه إلى أوليائهم، ويرمون فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يقذفون فيه ويزيدون» أخرجه مسلم وقال ابن قتيبة: أن الرجم كان قبل مبعثه، ولكن لم يكن في شدة الحراسة مثل بعد مبعثه، قال وعلى هذا وجدنا الشعر القديم قال بشر بن أبي حازم وهو جاهلي:
فالعير يرهقها الغبار وجحشها ** ينقض خلفهما انقضاض الكوكب

وقال أوس بن حجر وهو جاهلي:
فانقض كالدر يتبعه ** نقع يثور تخاله طنبا

والجمع بين هذين القولين: أن الرمي بالنجوم كان موجودًا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث شدد ذلك وزيد في حفظ السماء وحراستها صونًا لأخبار الغيوب والله أعلم.
قوله سبحانه وتعالى: {والأرض مددناها} يعني بسطناها على وجه الماء كما يقال: إنها دحيت من تحت الكعبة ثم بسطت هذا قول أهل التفسير، وزعم أرباب الهيئة أنها كرة عظيمة بعضها في الماء، وبعضها خارج عن الماء، وهو الجزء المغمور منها واعتذروا عن قوله تعالى: {والأرض مددناها} بأن الكرة إذا كانت عظيمة كان كل جزء منها، كالسطح العظيم فثبت بهذا الأمر أن الأرض ممدودة مبسوطة وأنها كرة، ورد هذا أصحاب التفسير بأن الله أخبر في كتابه بأنها ممدودة، وأنها مبسوطة ولو كانت كرة لأخبر بذلك والله أعلم بمراده، وكيف مد الأرض {وألقينا فيها رواسي} يعني جبالًا ثوابت وذلك أن الله سبحانه وتعالى لما خلق الأرض على الماء مادت ورجفت فأثبتها بالجبال {وأنبتنا فيها} أي في الأرض، لأن أنواع النبات المنتفع به تكون في الأرض، وقيل: الضمير يرجع إلى الجبال لأنها أقرب مذكور لقوله تعالى: {من كل شيء موزون} وإنما يوزن ما تولد في الجبال من المعادن، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: موزون أي معلوم، وقال مجاهد وعكرمة أي مقدور فعلى هذا يكون المعنى معلوم القدر عند الله تعالى لأن الله سبحانه وتعالى يعلم القدر الذي يحتاج إليه الناس في معايشهم وأرزاقهم فيكون إطلاق الوزن عليه مجازًا، لأن الناس لا يعرفون مقادير الأشياء إلا بالوزن، وقال الحسن وعكرمة وابن زيد: أنه عنى به الشيء الموزون كالذهب والفضة والرصاص والحديد والكحل ونحو ذلك مما يستخرج من المعادن، لأن هذه الأشياء كلها توزن وقيل: معنى موزون متناسب في الحسن والهيئة والشكل، تقول العرب فلان موزون الحركات إذا كانت حركاته متناسبة حسنة، وكلام موزون إذا كانت متناسبًا حسنًا بعيدًا من الخطأ والسخف وقيل إن جميع ما ينبت في الأرض والجبال نوعان: أحدهما ما يستخرج من المعادن وجميع ذلك موزون.
والثاني النبات وبعضه موزون أيضًا: وبعضه مكيل وهو يرجع إلى الوزن لأن الصاع والمدّ مقدران بالوزن {وجعلنا لكم فيها معايش} جمع معيشة.
وهو ما يعيش به الإنسان مدة حياته في الدنيا من المطاعم والمشارب والملابس ونحو ذلك {ومن لستم له برازقين} يعني الدواب والوحش والطير أنتم منتفعون بها، ولستم لها برازقين لأن رزق جميع الخلق على الله ومنه قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} وتكون في قوله تعالى: {ومن لستم} بمعنى ما لأن من لمن يعقل وما لمن لا يعقل، وقيل: يجوز إطلاق لفظة من على من لا يعقل كقوله تعالى: {فمنهم من يمشي على بطنه} وقيل أراد بهم العبيد والخدم فتكون من على أصلها، ويدخل معهم ما لا يعقل من الدواب والوحش. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَقَدْ جَعَلْنَا في السماء بُرُوجًا}
قصورًا ينزلها السيارات، وهي البروجُ الاثنا عشر المشهورةُ المختلفةُ الهيئاتِ والخواصِّ حسبما يدل عليه الرصْدُ والتجرِبة مع ما اتفق عليه الجمهور من بساطة السماء، والجعلُ إن جُعل بمعنى الخلق والإبداعِ وهو الظاهرُ فالجار متعلقٌ به، وإن جعل بمعنى التصييرِ فهو مفعولٌ ثانٍ له متعلقٌ بمحذوف أي جعلنا بروجًا كائنة في السماء {وزيناها} أي السماء بتلك البروجِ المختلفةِ الأشكال والكواكب سياراتٍ كانت أو ثوابتَ {للناظرين} إليها، فمعنى التزيينِ ظاهرٌ، أو للمتفكرين المعتبرين المستدلين بذلك على قدرة مقدّرها وحكمةِ مدبرّها، فتزيينُها بترتيبها على نظام بديع مستتبعٍ للآثار الحسنة.
{وحفظناها مِن كُلّ شيطان رَّجِيمٍ} مَرْميَ بالنجوم فلا يقدر أن يصعَدَ إليها ويوسوسَ في أهلها ويتصرّفَ فيها ويقفَ على أحوالها.
{إِلاَّ مَنِ استرق السمع}
محلُّه النصبُ على الاستثناء المتصل إنْ فسّر الحِفظُ بمنع الشياطين عن التعرّضِ لها على الإطلاق والوقوفِ على ما فيها في الجملة، أو المنقطعِ إن فُسر ذلك بالمنع عن دخولها والتصرف فيها. عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنهم كانوا لا يحجبون عن السموات، فلما وُلد عيسى عليه السلام مُنعوا من ثلاث سموات، ولما ولد النبي صلى الله عليه وسلم مُنِعوا من السموات كلِّها» واستراقُ السمعِ اختلاسُه سرًّا، شُبّه به خَطفتُهم اليسيرةُ من قُطّان السمواتِ بما بينهم من المناسبة في الجوهر، أو بالاستدلال من الأوضاع {فَأَتْبَعَهُ} أي تبعه ولحِقه {شِهَابٌ} لهبٌ محروقٌ وهو شعلةُ نارٍ ساطعةٌ، وقد يطلق على الكواكب والسِّنان لما فيهما من البريق {مُّبِينٌ} ظاهرٌ أمرُه للمبصرين. قال معمر: قلت لابن شهاب الزهري: أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية؟ قال: نعم، وإن النجم ينقضّ ويرمى به الشيطانُ فيقتلُه أو يخبِلُه لئلا يعود إلى استراق السمع، ثم يعود إلى مكانه، قال: أفرأيت قوله تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مقاعد} الآية، قال: غُلّظت وشُدّد أمرُها حين بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن قتيبة: إن الرجمَ كان قبل مبعثِه عليه الصلاة والسلام، ولكن لم يكن في شدة الحِراسة كما بعدَ مبعثِه عليه الصلاة والسلام، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن الشياطينَ يركَبُ بعضُهم بعضًا إلى السماء الدنيا يسترقون السمعَ من الملائكة، فيُرمَون بالكواكب فلا يخطِىء أبدًا، فمنهم من يُحرق وجهُه وجنبُه ويدُه حيث يشاء الله تعالى، ومنهم من يخبِلُه فيصير غُولًا فيُضل الناس في البوادي. قال القرطبي: اختلفوا في أن الشهاب هل يقتُل أم لا؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما: يجرَح ويحرِق ويخبِلُ ولا يقتُل، وقال الحسن وطائفةٌ: يقتل، قال: والأول أصح.
{والأرض مددناها} بسطناها، وهو بالنصب على الحذف على شريطة التفسير، ولم يُقرأ بالرفع لرجحان النصب للعطف على الجملة الفعلية، أعني قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا} إلخ، وليوافِقَ ما بعده، أعني قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رواسي} أي جبالًا ثوابتَ، وقد مر بيانه في أول الرعد {وَأَنبَتْنَا فِيهَا} أي في الأرض أو فيها وفي رواسيها {مِن كُلّ شيء مَّوْزُونٍ} بميزان الحِكمة ذاتًا وصفةً ومقدارًا، وقيل: ما يوزن من الذهب والفضة وغيرِهما أو من كل شيءٍ مستحسَنٍ مناسب، أو ما يوزن ويُقدَّر من أبواب النعمة.
{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا معايش} ما تعيشون به من المطاعم والملابسِ وغيرِهما مما يتعلق به البقاءُ، وهي بياء صريحة، وقرئ بالهمزة تشبيهًا له بالشمائل {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ برازقين} عطف على معايش أو على محل لكم، كأنه قيل: جعلنا لكم معايشَ وجعلنا لكم مَنْ لستم برازقيه من العِيال والمماليك والخدَم والدوابِّ وما أشبهها على طريقة التغليب، وذِكرُهم بهذا العنوان لرد حسبانُهم أنهم يَكْفون مؤناتِهم، ولتحقيق أن الله تعالى هو الذي يرزقهم وإياهم، أو وجعلنا لكم فيها معايشَ ولمن لستم له برازقين. اهـ.

.قال الألوسي:

ثم إنه تعالى لما ذكر حال منكري النبوة وكانت مفرعة على التوحيد ذكر دلائله السماوية والأرضية فقال عز قائلًا: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا في السماء بُرُوجًا} إلخ.
وإلى هذا ذهب الإمام وغيره في وجه الربط.
وق ابن عطية: انه سبحانه لما ذكر أنهم لو رأوا الآية المطلوبة في السماء لعاندوا وبقوا على ما هم فيه من الضلال عقب ذلك بهذه الآية كأنه جل شأنه قال: وإن في السماء لعبرا منصوبة غير هذه المذكورة وكفرهم بها وإعراضهم عنها اصرار منهم وعتو اهـ؛ والظاهر أن الجعل بمعنى الخلق والإبداع فالجار والمجرور متعلق به، وجوز أن يكون بمعنى التصيير فهو متعلق بمحذوف على أنه مفعول ثان له وبروجًا مفعوله الأول، والبروج جمع برج وهو لغة القصر والحصن وبذلك فسره هنا عطية، فقد أخرج عنه ابن أبي حاتم أنه قال: جعلنا قصورًا في السماء فيها الحرس، وأخرج عن أبي صالح أن المراد بالبروج الكواكب العظام.
وفي البحر عنه الكواكب السيارة وروى غير واحد عن مجاهد.
وقتادة أنها الكواكب من غير قيد، وروي عن ابن عباس تفسير ذلك بالبروج الأثنى عشر المشهورة وهي ستة شمالية ثلاثة ربيعية وثلاثة صيفية وأولها الحمل وستة جنوبية ثلاثة خريفية وثلاثة شتائية وأولها الميزان وطول كل برج عندهم لدرجة وعرضه قف درجة ص منها في جهة الشمال ومثلها في جهة الجنوب وكأنها إنما سميت بذلك لأنها كالحصن أو القصر للكوكب الحال فيها وهي في الحقيقة أجزاء الفلك الأعظم وهو المحدد المسمى بلسانهم الفلك الأطلسي وفلك الأفلاك وبلسان الشرع بعكسه ولهذا يسمى الشيخ الأكبر قدس سره الفلك الأطلس بفلك البروج والمشهور تسمية الفلك الثامن وهو فلك الثوابت به لاعتبارهم الانقسام فيه وكأن ذلك لظهور ما تتعين به الأجزاء من الصور فيه وان كان كل منها منتقلًا عما عينه إلى آخر منها لثبوت الحركة الذاتية للثوابت على خلاف التوالي وان لم يثبتها لها لعدم الإحساس بها قدماء الفلاسفة كما لم يثبت الأكثرون حركتها على نفسها وأثبتها الشيخ أبو علي ومن تبعه من المحققين، وقد صرحوا بأن هذه الصور المسماة بالأسماء المعلومة توهمت على المنطقة وما يقرب منها من الجانبين من كواكب ثابتة تنظمها خطوط موهومة وقعت وقت القسمة في تلك الأقسام ونقل ذلك في الكفاية عن عامة المنجمين وانهم إنما توهموا لكل قسم صورة ليحصل التفهيم والتعليم بأن يقال: الدبران مثلا عين الأسد.
وتعقب ذلك بقوله: وهذا ليس بسديد عندي لأن تلك الصور لو كانت وهمية لم يكن لها أثر في أمثالها من العالم السفلى مع أن الأمر ليس كذلك فقد قال بطليموس في الثمرة.
الصور التي في عالم التركيب مطيعة للصور الفلكية إذ هي في ذواتها على تلك الصور فأدركتها الأوهام على ما هي عليه وفيه بحث ثم هذه البروج مختلفة الآثار والخواص بل لكل جزء من كل منها وإن كان أقل من عاشرة بل أقل الأقل آثار تخالف آثار الجزء الآخر وكل ذلك آثار حكمة الله تعالى وقدرته عز وجل، وقد ذكر الشيخ الأكبر قدس سره في بعض كتبه أن آثار النجوم وأحكامها مفاضة عليها من تلك البروج المعتبرة في المحدد.
وفي الفصل الثالث من الباب الحادي والسبعين والثلثمائة من فتوحاته ما منه إن الله تعالى قسم الفلك الأصلس اثنى عشر قسمًا سماها بروجًا وأسكن كل برج منها ملكًا وهؤلاء الملائكة أئمة العالم وجعل لكل منهم ثلاثين خزانة تحتوي كل منها على علوم شتى يهبون منها للنازل بهم قدر ما تعطيه رتبته وهي الخزائن التي قال الله تعالى فيها: {وَإِن مّن شيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 21]، وتسمى عند أهل التعاليم بدرجات الفلك والنازلون بها هم الجوارى والمنازل وعيوقاتها من الثوابت والعلوم الحاصلة من تلك الخزائن الإلهية هي ما يظهر في عام الأركان من التأثيرات بل ما يظهر في مقعر فلك الثوابت إلى الأرض إلى آخر ما قال، وقد قدس سره الكلام في هذا الباب وهو بمعزل عن اعتقاد المحدثين نقلة الدين عليهم الرحمة، ثم إن في اختلاف خواص البروج حسبما تشهد به التجربة مع ما اتفق عليه الجمهور من بساطة السماء أدل دليل على وجود الصانع المختار جل جلاله.
{وزيناها} أي السماء بما فيها من الكواكب السيارات وغيرها وهي كثيرة لا يعلم عددها إلا الله تعالى.
نعم المرصود منها ألف ونيف وعشرون ورتبوها على ست مراتب وسموها اقدارًا متزايدة سدسًا حتى كان قطر ما في القدر الأول ستة أمثال ما في القدر السادس وجعلوا كل قدر على ثلاث مراتب وما دون السادس لم يثبتوه في المراتب بل إن كان كقطعة السحاب يسمونه سحابيًا وإلا فمظلمًا، وذكر في الكفاية إن ما كان منها في القدر الأول فجرمه مائة وستة وخمسون مرة ونصف عشر الأرض.
وجاء في بعض الآثار أن أصغر النجوم كالجبل العظيم واستظهر أبو حيان عود الضمير للبروج لأنها المحدث عنها والأقرب في اللفظ والجمهور على ما ذكرنا حذرًا من انتشار الضمائر {للناظرين} أي بأبصارهم إليها كما قاله بعضهم لأنه المناسب للتزيين، وجوز أن يراد بالتزيين ترتيبها على نظام بديع مستتبعًا للآثار الحسنة فيراد بالناظرين المتفكرون المستدلون بذلك على قدرة مقدرها وحكمة مدبرها جل شأنه.
{وحفظناها مِن كُلّ شيطان رَّجِيمٍ}
مطرود عن الخيرات، ويطلق الرجم على الرمي بالرجام وهي الحجارة، فالمراد بالرجيم المرمي بالنجوم، ويطلق أيضًا على الإهلاك والقتل الشنيع، والمراد بحفظها من الشيطان اما منعه عن التعرض لها على الإطلاق والوقوف على ما فيها في الجملة فالاستثناء في قولبه تعالى: {إِلاَّ مَنْ استرق السمع} متصل، وإما المنع عن دخولها والاختلاط مع أهلها على نحو الاختلاط مع أهل الأرض فهو حينئذ منقطع، وعلى التقديرين محل {مِنْ} النصب على الاستثناء، وجوز أبو البقاء.
والحوفي كونه في محل جر على أنه بدل {مِن كُلّ شيطان} [الحجر: 17]. بدل بعض من كل واستغنى عن الضمير الرابط بالا.
واعترض بأنه يشترط في البدلية أن تكون في كلام غير موجب وهذا الكلام مثبت.
ودفع بأنه في تأويل المنفى أي لم نمكن منها كل شيطان أو نحوه وأورد أن تأويل المثبت في غير أبي ومتصرفاته غير مقيس ولا حسن فلا يقال مات القوم إلا زيد بمعنى لم يعيشوا، ولعل القائل بالبدلية لا يسلم ذلك، وقد أولوا بالمنفي قوله تعالى: {فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلًا} [البقرة: 249]، وقوله عليه الصلاة والسلام: «الناس هلكى إلا العالمون» والخبر وغير ذلك مما ليس فيه أبى ولا شيء من متصرفاته لكن الانصاف ضعف هذه البدلية كما لا يخفى.
وجوز أبو البقاء أيضًا أن يكون في محل رفع على الابتداء والخبر جملة قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ} وذكر أن الفاء من أجل أن {مِنْ} موصول أو شرط والاستراق افتعال من السرقة وهو أخذ الشيء بخفية شبه به خطفتهم اليسيرة من الملأ الأعلى وهو المذكور في قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة} [الصافات: 10]، والمراد بالسمع المسموع، والشهاب على ما قال الراغب الشعلة الساطعة من النار الموقدة ومن العارض في الجو ويطلق على الكوكب لبريقه كشعلة النار.